فصل: كِتَابُ الشُّفْعَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


فَصْلٌ‏:‏ ‏[‏فِيمَا يَطْرَأُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْ زِيَادَةٍ وَغَيْرِهَا‏]‏

المتن‏:‏

زِيَادَةُ الْمَغْصُوبِ إنْ كَانَتْ أَثَرًا مَحْضًا كَقَصَّارَةٍ فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ بِسَبَبِهَا، وَلِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ رَدَّهُ كَمَا كَانَ إنْ أَمْكَنَ، وَأَرْشَ النَّقْصِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

فَصْلٌ فِيمَا يَطْرَأُ عَلَى الْمَغْصُوبِ مِنْ زِيَادَةٍ وَغَيْرِهَا، وَالزِّيَادَةُ أَثَرٌ وَعَيْنٌ، فَالْأَثَرُ لَا حَقَّ لِلْغَاصِبِ فِيهِ كَمَا قَالَ ‏(‏زِيَادَةُ الْمَغْصُوبِ إنْ كَانَتْ أَثَرًا مَحْضًا كَقِصَارَةٍ‏)‏ لِثَوْبٍ وَخِيَاطَةٍ بِخَيْطٍ مِنْهُ وَطَحْنِ حِنْطَةٍ وَضَرْبِ السَّبَائِكِ دَرَاهِمَ وَضَرْبِ الطِّينِ لَبِنًا وَذَبْحِ الشَّاةِ وَشَيِّهَا، ‏(‏فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ بِسَبَبِهَا‏)‏ لِتَعَدِّيهِ بِعَمَلِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُفْلِسِ حَيْثُ كَانَ شَرِيكًا لِلْبَائِعِ، فَإِنَّهُ عَمِلَ فِي مِلْكِهِ ‏(‏وَلِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ رَدَّهُ‏)‏، أَيْ الْمَغْصُوبِ ‏(‏كَمَا كَانَ إنْ أَمْكَنَ‏)‏ كَرَدِّ الدَّرَاهِمِ سَبَائِكَ وَاللَّبِنِ طِينًا؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِفِعْلِهِ، وَلَا يَغْرَمُ أَرْشَ مَا كَانَ زَادَ بِصَنْعَتِهِ؛ لِأَنَّ فَوَاتَهُ بِأَمْرِ الْمَالِكِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَالْقِصَارَةِ فَلَيْسَ لَهُ إجْبَارُهُ بَلْ يَأْخُذُهُ بِحَالِهِ ‏(‏وَأَرْشَ النَّقْصِ‏)‏ إنْ نَقَصَ عَمَّا كَانَ قَبْلَ الزِّيَادَةِ، وَإِذَا رَضِيَ الْمَالِكُ بِمَا يُمْكِنُ إعَادَتُهُ بِحَالِهِ أَجْبَرَ الْغَاصِبَ عَلَى تَسْلِيمِهِ لَهُ بِحَالِهِ وَعَلَى غُرْمِ أَرْشِ النَّقْصِ إنْ كَانَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ غَرَضٌ فِي الْإِعَادَةِ كَأَنْ خَشِيَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ بَقَائِهَا ضَرَرًا مِنْ تَغْرِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ كَمَنْ ضَرَبَ الدَّرَاهِمَ بِغَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ عَلَى غَيْرِ عِيَارِهِ، فَلَهُ إبْطَالُهَا وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْمَالِكُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَخْشَ سَوَاءٌ أَرَضِيَ الْمَالِكُ بِبَقَائِهَا أَمْ سَكَتَ عَنْ الرِّضَا وَالْمَنْعِ‏.‏ نَعَمْ لَوْ ضَرَبَ الشَّرِيكُ الطِّينَ لَبِنًا أَوْ السَّبَائِكَ دَرَاهِمَ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ جَازَ لَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ أَنْ يَنْقُضَهُ، وَإِنْ رَضِيَ شَرِيكُهُ بِالْبَقَاءِ يَنْتَفِعُ بِمِلْكِهِ كَمَا كَانَ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا كَبِنَاءٍ وَغِرَاسٍ كُلِّفَ الْقَلْعَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْعَيْنُ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَإِنْ كَانَتْ‏)‏ أَيْ الزِّيَادَةُ ‏(‏عَيْنًا كَبِنَاءٍ وَغِرَاسٍ كُلِّفَ الْقَلْعَ‏)‏ لَهَا، وَأَرْشَ النَّقْصِ إنْ كَانَ وَإِعَادَتَهَا كَمَا كَانَتْ، وَأُجْرَةَ الْمِثْلِ إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، وَلَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ تَمَلُّكَهَا بِالْقِيمَةِ أَوْ إبْقَاءَهَا بِأُجْرَةٍ لَمْ يَلْزَمْ الْغَاصِبَ إجَابَتُهُ فِي الْأَصَحِّ لِإِمْكَانِ الْقَلْعِ بِلَا أَرْشٍ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ يُفْهِمُ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ الْقَلْعُ بِغَيْرِ رِضَا الْمَالِكِ، وَلَيْسَ مُرَادًا، بَلْ لَوْ أَرَادَ الْقَلْعَ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ مَنْعُهُ، وَلَوْ بَادَرَ لِذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ غَرِمَ الْأَرْشَ، وَقِيلَ‏:‏ لَا غُرْمَ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ، وَرُدَّ بِأَنَّ عَدَمَ احْتِرَامِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُسْتَحِقِّ الْأَرْضِ لَا مُطْلَقًا، وَلَوْ كَانَ الْغِرَاسُ وَالْبِنَاءُ مَغْصُوبَيْنِ مِنْ آخَرَ، فَلِكُلٍّ مِنْ مَالِكَيْ الْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ إلْزَامُ الْغَاصِبِ بِالْقَلْعِ، وَإِنْ كَانَا لِصَاحِبِ الْأَرْضِ، فَإِنْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْغَاصِبِ قَلْعُهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ طَالَبَهُ بِالْقَلْعِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ لَزِمَهُ قَلْعُهُ مَعَ أَرْشِ النَّقْصِ، وَإِلَّا فَوَجْهَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ‏:‏ نَعَمْ لِتَعَدِّيهِ، وَالثَّانِي‏:‏ لَا؛ لِأَنَّهُ عَيْبٌ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ نَمَاءِ الْمَغْصُوبِ كَمَا لَوْ اتَّجَرَ الْغَاصِبُ فِي الْمَالِ الْمَغْصُوبِ فَالرِّبْحُ لَهُ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِذَا غَصَبَ دَرَاهِمَ وَاشْتَرَى شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ وَنَقَدَ الدَّرَاهِمَ فِي ثَمَنِهَا وَرَبِحَ رَدَّ مِثْلَ الدَّرَاهِمِ؛ لِأَنَّهَا مِثْلِيَّةٌ إنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ‏.‏ أَمَّا إذَا اشْتَرَى بِعَيْنِهِ فَالْجَدِيرُ بُطْلَانُهُ، وَلَوْ غَصَبَ أَرْضًا وَبَذْرًا مِنْ وَاحِدٍ وَبَذَرَ الْأَرْضَ بِهِ فَلِلْمَالِكِ تَكْلِيفُهُ إخْرَاجَ الْبَذْرِ مِنْهَا وَأَرْشَ النَّقْصِ، وَإِنْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِبَقَاءِ الْبَذْرِ فِي الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ لِلْغَاصِبِ إخْرَاجُهُ، وَلَوْ زَوَّقَ الْغَاصِبُ الدَّارَ الْمَغْصُوبَةَ بِمَا لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ بِقَلْعِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ قَلْعُهُ إنْ رَضِيَ بِبَقَائِهِ الْمَالِكُ وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ خِلَافًا لِلزَّرْكَشِيِّ كَالثَّوْبِ إذَا قَصَرَهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ صَبَغَ الثَّوْبَ بِصَبْغِهِ وَأَمْكَنَ فَصْلُهُ أُجْبِرَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِيهِ، وَإِنْ نَقَصَتْ لَزِمَهُ الْأَرْشُ وَإِنْ زَادَتْ اشْتَرَكَا فِيهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِنْ صَبَغَ‏)‏ الْغَاصِبُ ‏(‏الثَّوْبَ‏)‏ الْمَغْصُوبَ ‏(‏بِصَبْغِهِ‏)‏، وَكَانَ الْحَاصِلُ تَمْوِيهًا لَا يَحْصُلُ مِنْهُ بِالِانْصِبَاغِ عَيْنُ مَالٍ فَكَالتَّزْوِيقِ فِيمَا مَرَّ وَإِنْ حَصَلَ مِنْهُ ذَلِكَ ‏(‏وَأَمْكَنَ فَصْلُهُ‏)‏ مِنْهُ، كَأَنْ كَانَ الصَّبْغُ غَيْرَ مُنْعَقِدٍ ‏(‏أُجْبِرَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ قِيَاسًا عَلَى الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ، وَالثَّانِي‏:‏ لَا، لِمَا فِيهِ مِنْ ضَرَرِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ يَضِيعُ بِفَصْلِهِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَرَكَهُ الْغَاصِبُ لِلْمَالِكِ لِيَدْفَعَ عَنْهُ كُلْفَةَ الْقَلْعِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَى قَبُولِهِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَلَوْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِإِبْقَائِهِ كَانَ لِلْغَاصِبِ الْفَصْلُ إنْ لَمْ يَنْقُصْ الثَّوْبُ بِالْفَصْلِ وَكَذَا إنْ نَقَصَ، وَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى الْقَلْعِ فَذَاكَ أَوْ عَلَى الْإِبْقَاءِ فَهُمَا شَرِيكَانِ ‏(‏وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ‏)‏ فَصْلُهُ كَأَنْ كَانَ الصَّبْغُ مُنْعَقِدًا ‏(‏فَإِنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ‏)‏ أَيْ الثَّوْبِ بِالصَّبْغِ وَلَمْ تَنْقُصْ، كَأَنْ كَانَ يُسَاوِي عَشَرَةً وَالصَّبْغُ خَمْسَةً فَصَارَ مَصْبُوغًا يُسَاوِي عَشْرَةً لَا لِانْخِفَاضِ سُوقِ الثِّيَابِ بَلْ لِأَجْلِ الصَّبْغِ ‏(‏فَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ فِيهِ‏)‏ لِعَدَمِ الزِّيَادَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ النَّقْصِ ‏(‏وَإِنْ نَقَصَتْ‏)‏ قِيمَتُهُ، كَأَنْ صَارَ يُسَاوِي ثَمَانِيَةً ‏(‏لَزِمَهُ الْأَرْشُ‏)‏؛ لِأَنَّ النَّقْصَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ ‏(‏وَإِنْ زَادَتْ‏)‏ قِيمَتُهُ بِالصَّبْغِ كَأَنْ صَارَ يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ فِي مِثَالِنَا ‏(‏اشْتَرَكَا فِيهِ‏)‏ أَيْ الثَّوْبِ هَذَا بِصَبْغِهِ وَهَذَا بِثَوْبِهِ أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَثُلُثُهُ لِلْغَاصِبِ فَشَرِكَتُهُمَا لَيْسَتْ عَلَى الْإِشَاعَةِ‏.‏ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَمْلِكُ مَا كَانَ لَهُ مَعَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الزِّيَادَةِ، فَلَوْ حَصَلَ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا نَقْصٌ لِانْخِفَاضِ سِعْرِ أَحَدِهِمَا أَوْ زِيَادَةٌ لِارْتِفَاعِهِ عُمِلَ بِهِ فَيَكُونُ النَّقْصُ أَوْ الزِّيَادَةُ لَاحِقًا لِمَنْ انْخَفَضَ أَوْ ارْتَفَعَ سِعْرُ مَالِهِ، وَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ بِسَبَبِ اجْتِمَاعِ الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ‏:‏ أَيْ بِسَبَبِ الْعَمَلِ فَالنَّقْصُ عَلَى الصَّبْغِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ هُوَ الَّذِي عَمِلَ، وَالزِّيَادَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ الْحَاصِلَةَ بِفِعْلِ الْغَاصِبِ؛ إذَا أُسْنِدَتْ إلَى الْأَثَرِ الْمَحْضِ تُحْسَبُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَأَيْضًا الزِّيَادَةُ قَامَتْ بِالثَّوْبِ وَالصَّبْغِ فَهِيَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ بَذَلَ صَاحِبُ الثَّوْبِ لِلْغَاصِبِ قِيمَةَ الصَّبْغِ لِيَتَمَلَّكَهُ لَمْ يُجَبْ إلَيْهِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ فَصْلُهُ أَمْ لَا، بِخِلَافِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِي الْعَارِيَّةِ لِتَمَكُّنِهِ هُنَا مِنْ الْقَلْعِ مَجَّانًا بِخِلَافِ الْمُغَيَّرِ، وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا الِانْفِرَادَ بِبَيْعِ مِلْكِهِ لِثَالِثٍ لَمْ يَصِحَّ إذْ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَحْدَهُ كَبَيْعِ دَارٍ لَا مَمَرَّ لَهَا، نَعَمْ لَوْ أَرَادَ الْمَالِكُ بَيْعَ الثَّوْبِ لَزِمَ الْغَاصِبَ بَيْعُ صَبْغِهِ مَعَهُ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضُرَّ بِالْمَالِكِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَرَادَ الْغَاصِبُ بَيْعَ صَبْغِهِ لَا يَلْزَمُ مَالِكَ الثَّوْبِ بَيْعُهُ مَعَهُ لِئَلَّا يَسْتَحِقَّ الْمُتَعَدِّي بِتَعَدِّيهِ إزَالَةَ مِلْكِ غَيْرِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

احْتَرَزَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ‏:‏ بِصَبْغِهِ عَنْ صُورَتَيْنِ‏:‏ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ الصِّبْغُ مَغْصُوبًا مِنْ آخَرَ فَهُمَا شَرِيكَانِ كَمَا لَوْ كَانَ الصِّبْغُ لِلْغَاصِبِ، فَإِنْ حَصَلَ فِي الْمَغْصُوبِ نَقْصٌ بِاجْتِمَاعِهِمَا اخْتَصَّ النَّقْصُ بِالصَّبْغِ كَمَا مَرَّ وَغَرِمَ الْغَاصِبُ لِصَاحِبِ الصَّبْغِ قِيمَةَ صَبْغِهِ، وَإِنْ أَمْكَنَ فَصْلُهُ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا تَكْلِيفُهُ الْفَصْلَ، فَإِنْ حَصَلَ بِهِ نَقْصٌ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا غَرَّمَهُ الْغَاصِبُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَصْلُهُ، بِأَنْ كَانَ الْحَاصِلُ تَمْوِيهًا فَكَمَا سَبَقَ فِي التَّزْوِيقِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ‏.‏ الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ‏:‏ أَنْ يَكُونَ الصَّبْغُ لِمَالِكِ الثَّوْبِ، فَالزِّيَادَةُ لَهُ لَا لِلْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهَا أَثَرٌ مَحْضٌ وَالنَّقْصُ عَلَى الْغَاصِبِ فَيَغْرَمُ أَرْشَهُ، وَلِلْمَالِكِ إجْبَارُهُ عَلَى فَصْلِهِ إنْ أَمْكَنَ، وَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ فَصْلُهُ إذَا رَضِيَ الْمَالِكُ بِالْإِبْقَاءِ، وَكَذَا لَوْ سَكَتَ كَمَا قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ إنَّهُ الْقِيَاسُ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ طَيَّرَتْ الرِّيحُ ثَوْبًا إلَى مَصْبَغَةِ شَخْصٍ فَانْصَبَغَ فِيهَا اشْتَرَكَا فِي الْمَصْبُوغِ مِثْلُ مَا مَرَّ وَلَمْ يُكَلَّفْ أَحَدُهُمَا الْبَيْعَ وَلَا الْفَصْلَ وَلَا الْأَرْشَ وَإِنْ حَصَلَ نَقْصٌ إذْ لَا تَعَدِّيَ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِغَيْرِهِ وَأَمْكَنَ التَّمْيِيزُ لَزِمَهُ، وَإِنْ شَقَّ فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَالتَّالِفِ فَلَهُ تَغْرِيمُهُ، وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَخْلُوطِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِغَيْرِهِ‏)‏ سَوَاءٌ أَخُلِطَ بِجِنْسِهِ كَحِنْطَةٍ بَيْضَاءَ بِحِنْطَةٍ حَمْرَاءَ أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَبُرٍّ بِشَعِيرٍ ‏(‏وَأَمْكَنَ التَّمْيِيزُ لَزِمَهُ‏)‏ التَّمْيِيزُ لِسُهُولَتِهِ، وَلِإِمْكَانِ رَدِّ عَيْنِ مَا أَخَذَهُ ‏(‏وَإِنْ شَقَّ‏)‏ عَلَيْهِ تَمْيِيزُ جَمِيعِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَمْيِيزُ مَا أَمْكَنَ ‏(‏فَإِنْ تَعَذَّرَ‏)‏ كَأَنْ خَلَطَ الزَّيْتَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِشَيْرَجٍ ‏(‏فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ كَالتَّالِفِ‏)‏، لَا مُشْتَرَكًا سَوَاءٌ أَخَلَطَهُ بِمِثْلِهِ أَمْ بِأَجْوَدَ أَمْ بِأَرْدَأَ لَتَعَذُّرِ رَدِّهِ وَمَلَكَهُ الْغَاصِبُ ‏(‏فَلَهُ‏)‏ أَيْ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ‏(‏تَغْرِيمُهُ‏)‏ أَيْ الْغَاصِبِ ‏(‏وَلِلْغَاصِبِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَخْلُوطِ‏)‏؛ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ انْتَقَلَ إلَى ذِمَّتِهِ، وَلَهُ أَيْضًا أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهُ إنْ خَلَطَهُ بِمِثْلِهِ أَوْ بِأَجْوَدَ مِنْهُ لَا بِأَرْدَأَ؛ لِأَنَّهُ دُونَ حَقِّهِ إلَّا بِرِضًا، فَلَهُ أَخْذُهُ وَلَا أَرْشَ لَهُ وَكَانَ مُسَامِحًا بِبَعْضِ حَقِّهِ وَإِلَّا أَخَذَ مِثْلَ مَالِهِ، وَالطَّرِيقُ الثَّانِي قَوْلَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا هَذَا، وَالثَّانِي‏:‏ يَشْتَرِكَانِ فِي الْمَخْلُوطِ، وَلِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ قَدْرُ حَقِّهِ مِنْ الْمَخْلُوطِ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَاَلَّذِي أَقُولُهُ وَأَعْتَقِدُهُ وَيَنْشَرِحُ صَدْرِي لَهُ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْهَلَاكِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَمْلِيكُ الْغَاصِبِ مَالَ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِغَيْرِ رِضَاهُ، بَلْ بِمُجَرَّدِ تَعَدِّيهِ بِالْخَلْطِ، وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ إذَا قُلْنَا‏:‏ إنَّهُ كَالتَّالِفِ وَيَمْلِكُهُ الْغَاصِبُ، فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يُعْطِيَ الْمَالِكَ بَدَلَهُ ا هـ‏.‏

وَهُوَ كَمَا قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ ظَاهِرٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَضِيَّةُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ خَلْطَ الدَّرَاهِمَ بِمِثْلِهَا بِحَيْثُ لَا تَتَمَيَّزُ هَلَاكٌ، وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ أَوْجَهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَغَيْرِهِ إنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ كُلَّ دِرْهَمٍ مُتَمَيِّزٌ فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ الزَّيْتِ وَنَحْوِهِ مُنْتَقَضٌ بِالْحُبُوبِ، وَلَوْ اخْتَلَطَ الزَّيْتَانِ أَوْ نَحْوُهُمَا بِانْصِبَابٍ وَنَحْوِهِ كَصَبِّ بَهِيمَةٍ أَوْ بِرِضَا مَالِكِهِمَا، فَمُشْتَرَكٌ لِعَدَمِ التَّعَدِّي‏.‏ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَرْدَأَ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ عَلَى قَبُولِ الْمُخْتَلِطِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ عَيْنُ حَقِّهِ وَبَعْضَهُ خَيْرٌ مِنْهُ لَا صَاحِبَ الْأَجْوَدِ، فَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ أَخَذَ مِنْهُ فَلَا أَرْشَ لَهُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي، وَإِلَّا بِيعَ الْمُخْتَلَطُ، وَقُسِمَ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ الْقِيمَةِ، فَإِنْ أَرَادَ قِسْمَةَ غَيْرِ الْمُتَفَاضِلَيْنِ فِي الْقِيمَةِ عَلَى نِسْبَةِ الْقِيمَةِ لَمْ يَجُزْ لِلتَّفَاضُلِ فِي الْكَيْلِ وَنَحْوِهِ‏.‏ أَمَّا لَوْ خُلِطَ الْمَغْصُوبُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ كَالزَّيْتِ بِالشَّيْرَجِ وَدَقِيقِ الْحِنْطَةِ بِدَقِيقِ الشَّعِيرِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى الدَّفْعِ مِنْهُ أَوْ بِبَيْعِهِ وَقِسْمَةِ ثَمَنِهِ جَازَ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا؛ وَلِأَنَّ التَّفَاضُلَ جَائِزٌ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ، وَإِنْ امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُجْبَرْ الْمُمْتَنِعُ؛ لِأَنَّهُ كَالْهَالِكِ فَلَا يُلْزَمُ الْغَاصِبُ بِبَدَلٍ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وَلَا الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِقَبُولِ مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ فَيَغْرَمَ الْمِثْلَ، وَقِيلَ‏:‏ يُبَاعَانِ وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى نِسْبَةِ الْقِيمَتَيْنِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ غَصْبٌ، كَأَنْ انْصَبَّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، فَمُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا لِمَا مَرَّ، وَلَوْ غَصَبَ زَيْتَيْنِ أَوْ نَحْوَهُمَا مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ وَخَلَطَهُمَا قَالَ ابْنُ الْمُقْرِي‏:‏ فَهُوَ كَمَا لَوْ غَصَبَ زَيْتًا وَخَلَطَهُ بِزَيْتِهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْلِهِ، وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهُ وَلَا يَكُونُ كَالْهَالِكِ، وَهَذَا أَوْجَهُ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ كَمَا قَالَ شَيْخِي مَا نُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ دَرَاهِمَ مِنْ جَمَاعَةٍ وَخَلَطَهَا وَدَفَعَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ قَدْرَ حَقِّهِ جَازَ لَهُ أَخْذَهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ، وَإِنْ دَفَعَ لِأَحَدِهِمْ فَقَطْ صَارَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْجَمِيعِ وَفَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا خَلَطَهُ بِمَالِ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَمْلُوكِ لَهُ فَاسْتَتْبَعَ بِخِلَافِ مَالِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ غَصَبَ خَشَبَةً وَبَنَى عَلَيْهَا أُخْرِجَتْ، وَلَوْ أَدْرَجَهَا فِي سَفِينَةٍ فَكَذَلِكَ إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ مَعْصُومَيْنِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ غَصَبَ خَشَبَةً‏)‏ مَثَلًا ‏(‏وَبَنَى عَلَيْهَا‏)‏ فِي مِلْكِهِ أَوْ غَيْرِهِ كَمَنَارَةِ مَسْجِدٍ ‏(‏أُخْرِجَتْ‏)‏ أَيْ يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا وَرَدُّهَا إلَى مَالِكِهَا إنْ لَمْ تَتَعَفَّنْ، وَلَوْ تَلِفَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْإِخْرَاجِ أَضْعَافُ قِيمَتِهَا لِتَعَدِّيهِ، وَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهَا إنْ حَدَثَ فِيهَا نَقْصٌ وَأُجْرَةُ مِثْلِهَا إنْ مَضَتْ مُدَّةٌ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ، أَمَّا إذَا تَعَفَّنَتْ بِحَيْثُ لَوْ أُخْرِجَتْ لَمْ يَبْقَ لَهَا قِيمَةٌ فَهِيَ كَالتَّالِفَةِ ‏(‏وَلَوْ أَدْرَجَهَا‏)‏ أَيْ الْغَاصِبُ ‏(‏فِي سَفِينَةٍ فَكَذَلِكَ‏)‏ أَيْ يَلْزَمُهُ مَا مَرَّ إلَّا أَنْ تَتَعَفَّنَ ‏(‏إلَّا أَنْ يَخَافَ‏)‏ مِنْ إخْرَاجِهَا مِنْ السَّفِينَةِ ‏(‏تَلَفَ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ مَعْصُومَيْنِ‏)‏ وَلَوْ لِلْغَاصِبِ، كَأَنْ كَانَتْ السَّفِينَةُ فِي اللُّجَّةِ وَالْخَشَبَةِ فِي أَسْفَلِهَا فَإِنَّهَا لَا تُنْزَعُ، وَإِنَّمَا لَمْ تُنْزَعُ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدُومُ فِي الْبَحْرِ فَيَسْهُلُ الصَّبْرُ إلَى الشَّطِّ‏:‏ أَيْ وَتُؤْخَذُ الْقِيمَةُ لِلْفُرْقَةِ أَوْ نَحْوِهِ كَرَقْرَاقٍ بِخِلَافِ هَدْمِ الْبِنَاءِ لِرَدِّ اللَّوْحِ بَلْ يَأْخُذُ الْقِيمَةَ لِلْحَيْلُولَةِ إلَى تَيَسُّرِ النَّزْعِ، وَخَرَجَ بِالْمَعْصُومَيْنِ نَفْسُ الْحَرْبِيِّ وَمَالُهُ، وَبِالْخَوْفِ الْمَذْكُورِ مَا لَوْ كَانَتْ السَّفِينَةُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ مُرْسَاةً عَلَى الشَّطِّ أَوْ نَحْوِهِ‏.‏ أَوْ كَانَتْ الْخَشَبَةُ فِي أَعْلَاهَا‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ يُلْحَقَ بِالتَّلَفِ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ‏.‏ قَالَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ‏:‏ إلَّا الشَّيْنَ، وَجَرَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ، وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الِاسْتِثْنَاء فِي الْآدَمِيِّ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِمْ‏.‏ وَلَوْ خَاطَ شَيْئًا بِمَغْصُوبٍ لَزِمَهُ نَزَعَهُ مِنْهُ وَرَدُّهُ إلَى مَالِكِهِ إنْ لَمْ يَبْلَ، وَإِلَّا فَالْهَالِكُ لَا مِنْ جُرْحِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ يُخَافُ بِالنَّزْعِ هَلَاكُهُ أَوْ مَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ، فَلَا يَجُوزُ نَزْعُهُ مِنْهُ لِحُرْمَتِهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ ذَلِكَ الشَّيْنُ فِي غَيْرِ الْآدَمِيِّ بِخِلَافِ الْآدَمِيِّ كَمَا فِي التَّيَمُّمِ وَلَوْ شَدَّ بِمَغْصُوبٍ جَبِيرَةً كَانَ كَمَا لَوْ خَاطَ بِهِ جُرْحَهُ‏.‏ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي، وَلَا يُذْبَحُ لِنَزْعِهِ مَأْكُولٌ وَلَا غَيْرُهُ، وَلَوْ كَانَ لِلْغَاصِبِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ لِغَيْرِ أَكْلِهِ وَيَضْمَنُهُ؛ لِأَنَّهُ أَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِكِهِ، وَلَوْ خَاطَ بِهِ الْغَاصِبُ جُرْحًا لِآدَمِيٍّ بِإِذْنِهِ، فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ، وَلَوْ جَهِلَ الْغَصْبَ كَمَا لَوْ قَرَّبَ لَهُ طَعَامًا مَغْصُوبًا، فَأَكَلَهُ وَيُنْزَعُ الْخَيْطُ الْمَغْصُوبُ مِنْ الْمَيِّتِ وَلَوْ آدَمِيًّا، وَإِنَّمَا لَمْ يُنْزَعْ فِي الْحَيَاةِ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ، وَيُنْزَعُ مِنْ حَيٍّ غَيْرِ مُحْتَرَمٍ كَمُرْتَدٍّ وَزَانٍ مُحْصَنٍ وَكَلْبٍ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَحَيْثُ لَا يَجُوزُ نَزْعُهُ يَجُوزُ غَصْبُهُ لَهُ ابْتِدَاءً لِيُخَاطَ بِهِ جُرْحُهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ خَيْطٌ حَلَالٌ، وَحَيْثُ يَجُوزُ نَزْعُهُ لَا يَجُوزُ غَصْبُهُ لِيُخَاطَ بِهِ الْجُرْحُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ وَطِئَ الْمَغْصُوبَةَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ، حُدَّ، وَإِنْ جَهِلَ فَلَا حَدَّ، وَفِي الْحَالَيْنِ يَجِبُ الْمَهْرُ إلَّا أَنْ تُطَاوِعَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَيْهَا الْحَدُّ إنْ عَلِمَتْ وَوَطْءُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ كَوَطْئِهِ فِي الْحَدِّ وَالْمَهْرِ، فَإِنْ غَرِمَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ أَحْبَلَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ غَيْرُ نَسِيبٍ، وَإِنْ جَهِلَ فَحُرٌّ نَسِيبٌ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِانْفِصَالِ، وَيَرْجِعُ بِهَا الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ وَطِئَ‏)‏ الْغَاصِبُ الْأَمَةَ ‏(‏الْمَغْصُوبَةَ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ‏)‏ لِوَطْئِهَا مُخْتَارًا ‏(‏حُدَّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ زِنًى سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَالِمَةً أَمْ جَاهِلَةً‏.‏ نَعَمْ الْأَبُ وَنَحْوُهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ ‏(‏وَإِنْ جَهِلَ‏)‏ تَحْرِيمَهُ لِاشْتِبَاهِهَا عَلَيْهِ أَوْ لِقُرْبِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ لِبُعْدِهِ عَنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ ‏(‏فَلَا حَدَّ‏)‏ عَلَيْهِ لِعُذْرِهِ ‏(‏وَفِي الْحَالَيْنِ‏)‏ أَيْ حَالَتَيْ عِلْمِهِ وَجَهْلِهِ ‏(‏يَجِبُ الْمَهْرُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ، وَهِيَ غَيْرُ زَانِيَةٍ لَكِنْ فِي حَالَةِ الْجَهْلِ يَجِبُ مَهْرٌ وَاحِدٌ وَإِنْ تَكَرَّرَ الْوَطْءُ، وَفِي حَالَةِ الْعِلْمِ يَتَعَدَّدُ، وَإِنْ وَطِئَهَا مَرَّةً جَاهِلًا وَمَرَّةً عَالِمًا وَجَبَ مَهْرَانِ وَسَيَأْتِي بَسْطُ ذَلِكَ فِي بَابِ الصَّدَاقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ‏(‏إلَّا أَنْ تُطَاوِعَهُ‏)‏ فِي الْوَطْءِ عَالِمَةً بِالتَّحْرِيمِ ‏(‏فَلَا يَجِبُ‏)‏ لَهَا مَهْرٌ ‏(‏عَلَى الصَّحِيحِ‏)‏؛ لِأَنَّهَا زَانِيَةٌ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ مَهْرِ الْبَغِيِّ، وَهِيَ الزَّانِيَةُ، وَالثَّانِي‏:‏ يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لِسَيِّدِهَا فَلَا يَسْقُطُ بِطَوَاعِيَتِهَا فِيهِ كَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي قَطْعِ يَدِهَا‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْمَهْرَ، وَإِنْ كَانَ لِلسَّيِّدِ فَقَدْ عَهِدْنَا أَنَّهُ يَتَأَثَّرُ بِفِعْلِهَا كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ ‏(‏وَعَلَيْهَا الْحَدُّ إنْ‏)‏ طَاوَعَتْهُ، وَ ‏(‏عَلِمَتْ‏)‏ بِالتَّحْرِيمِ لِزِنَاهَا، وَهَذَا أَيْضًا قَيْدٌ فِيمَا قَبْلَهُ كَمَا قَدَّرْتُهُ، فَإِنْ جَهِلَتْهُ أَوْ أُكْرِهَتْ عَلَيْهِ فَلَا حَدَّ، وَسَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ أَرْشِ الْبَكَارَةِ، وَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِهِ، وَلَا يَسْقُطُ بِمُطَاوَعَتِهَا كَمَا لَا يَسْقُطُ أَرْشُ طَرَفِهَا بِإِذْنِهَا فِي قَطْعِهِ، وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْخِيَارِ أَنَّهُ يَجِبُ لَهَا هُنَا أَرْشُ بَكَارَةٍ وَمَهْرُ ثَيِّبٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا هُنَاكَ ‏(‏وَوَطْءُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ كَوَطْئِهِ‏)‏ أَيْ الْغَاصِبِ ‏(‏فِي الْحَدِّ وَالْمَهْرِ‏)‏ وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ أَيْضًا إنْ كَانَتْ بِكْرًا لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي وَضْعِ الْيَدِ عَلَى مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَيَأْتِي فِيهِ مَا ذُكِرَ فِي حَالَتَيْ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ إلَّا أَنَّ جَهْلَ الْمُشْتَرِي قَدْ يَنْشَأُ مِنْ الْجَهْلِ بِكَوْنِهَا مَغْصُوبَةً فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ ‏(‏فَإِنْ غَرِمَهُ‏)‏ أَيْ الْمَهْرَ لِلْمَالِكِ ‏(‏لَمْ يَرْجِعْ بِهِ‏)‏ الْمُشْتَرِي ‏(‏عَلَى الْغَاصِبِ فِي الْأَظْهَرِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ بَاشَرَ الْإِتْلَافَ، وَالثَّانِي يَرْجِعُ إنْ جَهِلَ الْغَصْبَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ عَلَى ضَمَانِهِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْبَيْعِ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي أَرْشِ الْبَكَارَةِ أَيْضًا فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ جَمْعٌ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْءٍ مِنْهَا أَتْلَفَهُ‏.‏ ‏(‏وَإِنْ أَحْبَلَ‏)‏ الْغَاصِبُ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ حَالَ كَوْنِهِ ‏(‏عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ‏)‏ لِلْوَطْءِ ‏(‏فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ‏)‏ لِلسَّيِّدِ ‏(‏غَيْرُ نَسِيبٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مِنْ زِنًا وَإِنْ انْفَصَلَ حَيًّا فَمَضْمُونٌ عَلَى الْغَاصِبِ أَوْ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ، فَبَدَّلَهُ لِلسَّيِّدِ أَوْ بِغَيْرِهَا، فَفِي وُجُوبِ ضَمَانِهِ عَلَى الْمُحْبِلِ وَجْهَانِ أَوْجُهُهُمَا كَمَا قَالَ شَيْخُنَا‏:‏ نَعَمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لِثُبُوتِ الْيَدِ عَلَيْهِ تَبَعًا لِلْأُمِّ، وَالثَّانِي‏:‏ لَا؛ لِأَنَّ حَيَاتَهُ غَيْرُ مُتَيَقَّنَةٍ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي حَمْلِ الْبَهِيمَةِ الْمَغْصُوبَةِ إذَا انْفَصَلَ مَيِّتًا، وَعَلَى الْأَوَّلِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِانْفِصَالِ لَوْ كَانَ حَيًّا، وَنُسِبَ فِي الْمُهِمَّاتِ تَرْجِيحُ الثَّانِي لِلرَّافِعِيِّ‏.‏ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّ مَا ذَكَرَهُ غَلَطٌ صَرِيحٌ‏.‏ فَإِنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي نُقِلَ عَنْهُ إنَّمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْجَاهِلِ بِالتَّحْرِيمِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ فِي الْعَالَمِ ا هـ‏.‏

وَحَاصِلَهُ أَنَّهُ انْتَقَلَ نَظَرُهُ مِنْ مَسْأَلَةٍ إلَى أُخْرَى ‏(‏وَإِنْ جَهِلَ‏)‏ مِنْ ذِكْرِ التَّحْرِيمِ ‏(‏فَحُرٌّ نَسِيبٌ‏)‏ لِلشُّبْهَةِ بِالْجَهْلِ، وَالْمَشْهُورُ كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ أَنَّهُ انْعَقَدَ حُرًّا لَا رَقِيقًا ثُمَّ عَتَقَ ‏(‏وَعَلَيْهِ‏)‏ لِلسَّيِّدِ ‏(‏قِيمَتُهُ‏)‏ بِتَقْدِيرِ رِقِّهِ لِتَفْوِيتِهِ رِقَّهُ بِظَنِّهِ ‏(‏يَوْمَ الِانْفِصَالِ‏)‏ حَيًّا؛ لِأَنَّ التَّقْوِيمَ قَبْلَهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا أَرْشُ نَقْصِ الْوِلَادَةِ ‏(‏وَيَرْجِعُ بِهَا‏)‏ أَيْ بِالْقِيمَةِ ‏(‏الْمُشْتَرِي عَلَى الْغَاصِبِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْبَيْعِ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الْوَلَدَ مِنْ غَيْرِ غَرَامَةٍ، وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ، وَلَا يَرْجِعُ وَنُسِبَ لِسَبْقِ الْقَلَمِ، وَيَرْجِعُ أَيْضًا بِأَرْشِ نَقْصِ الْوِلَادَةِ كَمَا نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْقَطْعَ بِهِ‏.‏ فَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فَعَلَى الْجَانِي ضَمَانُهُ بِالْغُرَّةِ، وَلِلْمَالِكِ مُطَالَبَةُ الْغَاصِبِ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ قِيَاسًا عَلَيْهِ بِعُشْرِ قِيمَةِ الْأُمِّ؛ لِأَنَّا نُقَدِّرُهُ رَقِيقًا فِي حَقِّهِ، ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْغُرَّةُ أَكْثَرَ فَالزَّائِدُ لِوَرَثَةِ الْجَنِينِ أَوْ أَقَلَّ ضَمِنَ الْغَاصِبُ أَوْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ لِلْمَالِكِ عُشْرَ قِيمَةِ الْأُمِّ كَامِلًا، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ بَدَلَ الْجَنِينِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ‏.‏ قَالَ الْمُتَوَلِّي‏:‏ وَالْغُرَّةُ تَجِبُ مُؤَجَّلَةً، فَلَا يَغْرَمُ الْغَاصِبُ حَتَّى يَأْخُذَ الْغُرَّةَ وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِيهِ‏.‏ وَإِنْ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِغَيْرِ جِنَايَةٍ، فَلَا شَيْءَ فِيهِ لِعَدَمِ تَيَقُّنِ حَيَاتِهِ‏.‏ وَيُخَالِفُ مَا لَوْ انْفَصَلَ رَقِيقًا مَيِّتًا حَيْثُ قُلْنَا‏:‏ فِيهِ بِالضَّمَانِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ يَدْخُلُ تَحْتَ الْيَدِ فَجُعِلَ تَبَعًا لِلْأُمِّ، وَلَوْ انْفَصَلَ حَيًّا حَيَاةً غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ ثُمَّ مَاتَ وَجَبَ ضَمَانُهُ؛ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا حَيَاتَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اقْتِصَارُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْمُشْتَرِي قَدْ يُوهِمُ أَنَّ الْمُتَّهِبِ مِنْ الْغَاصِبِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهَا، وَفِيهِ وَجْهَانِ رَجَّحَ الْبُلْقِينِيُّ مِنْهُمَا الرُّجُوعَ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَنْ لَا يَضْمَنَهَا‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَوْ أَذِنَ الْمَالِكُ لِلْغَاصِبِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ فِي وَطْءِ الْأَمَةِ الْمَغْصُوبَةِ وَوَطِئَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْمَهْرُ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ رَجَّحَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ فِي أَحَدِ طَرِيقَيْنِ رَجَّحَهُ غَيْرُهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَغَرِمَهُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ، وَكَذَا لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَا يَرْجِعُ بِغُرْمِ مَنْفَعَةٍ اسْتَوْفَاهَا فِي الْأَظْهَرِ وَيَرْجِعُ بِغُرْمِ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ وَبِأَرْشِ نَقْصِ بِنَائِهِ وَغِرَاسِهِ إذَا نَقَصَ فِي الْأَصَحِّ، وَكُلُّ مَا لَوْ غَرِمَهُ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِهِ وَلَوْ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَمَا لَا فَيَرْجِعُ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ وَكُلُّ مَنْ انْبَنَتْ يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ فَكَالْمُشْتَرِي، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي‏)‏ مِنْ الْغَاصِبِ ‏(‏وَغَرِمَهُ‏)‏ لِمَالِكِهِ ‏(‏لَمْ يَرْجِعْ بِهِ‏)‏ أَيْ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى الْغَاصِبِ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَالِمًا أَمْ جَاهِلًا، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْقَبْضِ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَقِيلَ‏:‏ يَرْجِعُ مِنْ الْمَغْرُومِ بِمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الثَّمَنِ، وَنُقِلَ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ لَا يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ الَّذِي غَرِمَهُ ‏(‏لَوْ تَعَيَّبَ عِنْدَهُ‏)‏ بِآفَةٍ ‏(‏وَفِي الْأَظْهَرِ‏)‏؛ لِأَنَّ التَّعْيِيبَ بِآفَةٍ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَالثَّانِي‏:‏ يَرْجِعُ لِلتَّغْرِيرِ بِالْبَيْعِ‏.‏ أَمَّا إذَا كَانَ بِفِعْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ قَطْعًا ‏(‏وَلَا يَرْجِعُ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏بِغُرْمِ مَنْفَعَةٍ اسْتَوْفَاهَا‏)‏ كَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالسُّكْنَى ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ وَهُمَا الْقَوْلَانِ فِي الْمَهْرِ وَمَرَّ تَوْجِيهِهِمَا ‏(‏وَيَرْجِعُ‏)‏ عَلَيْهِ ‏(‏بِغُرْمِ مَا تَلِفَ عِنْدَهُ‏)‏ مِنْ مَنْفَعَةٍ بِغَيْرِ اسْتِيفَاءٍ ‏(‏وَبِأَرْشِ نَقْصِ‏)‏ بِالْمُهْمَلَةِ ‏(‏بِنَائِهِ وَغِرَاسِهِ إذَا نُقِضَ‏)‏ بِالْمُعْجَمَةِ مِنْ جِهَةِ مَالِكِ الْأَرْضِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ بِالْبَيْعِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ فِي الْأُولَى يَنْزِلُ التَّلَفُ عِنْدَهُ مَنْزِلَةَ إتْلَافِهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ كَأَنَّهُ بِالْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ يُتْلِفُ مَالَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ثَمَرَةُ الشَّجَرَةِ وَنِتَاجُ الدَّابَّةِ وَكَسْبُ الْعَبْدِ كَالْمَنْفَعَةِ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَيُمْكِنُ إدْخَالُهُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ شَامِلٌ لِذَلِكَ لَقَالَ‏:‏ وَمَا فَاتَ؛ لِأَنَّهَا الْعِبَارَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي الْمَنْفَعَةِ ا هـ‏.‏

وَلَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَى الرَّقِيقِ وَلَا بِمَا أَدَّى مِنْ خَرَاجِ الْأَرْضِ كَمَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ زَوَّجَ الْغَاصِبُ الْأَمَةَ الْمَغْصُوبَةَ وَوَطِئَهَا الزَّوْجُ أَوْ اسْتَخْدَمَهَا جَاهِلًا وَغَرِمَ الْمَهْرَ أَوْ الْأُجْرَةَ لَمْ يَرْجِعْ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مُقَابِلَهَا بِخِلَافِ الْمَنَافِعِ الْفَائِتَةِ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِغُرْمِهَا ‏(‏وَكُلُّ مَا‏)‏ أَيُّ شَيْءٍ ‏(‏لَوْ غَرِمَهُ الْمُشْتَرِي رَجَعَ بِهِ‏)‏ عَلَى الْغَاصِبِ كَأُجْرَةِ الْمَنَافِعِ الْفَائِتَةِ تَحْتَ يَدِهِ ‏(‏وَلَوْ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ‏)‏ ابْتِدَاءً ‏(‏لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي‏)‏؛ لِأَنَّ الْقَرَارَ عَلَيْهِ لَا عَلَى الْمُشْتَرِي ‏(‏وَمَا لَا فَيَرْجِعُ‏)‏ أَيْ وَكُلُّ مَا لَوْ غَرِمَهُ الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ كَالْمَنَافِعِ الَّتِي اسْتَوْفَاهَا لَوْ غَرِمَهُ الْغَاصِبُ ابْتِدَاءً رَجَعَ بِهِ الْغَاصِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْقَرَارَ عَلَيْهِ‏.‏ نَعَمْ إنْ سَبَقَ مِنْ الْغَاصِبِ اعْتِرَافٌ بِالْمِلْكِ لَمْ يَرْجِعْ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ الَّذِي ظَلَمَنِي هُوَ الْمُدَّعِي، وَالْمَظْلُومُ لَا يَرْجِعُ إلَّا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ وَلَوْ غَرِمَ قِيمَةَ الْعَيْنِ وَقْتَ الْغَصْبِ لِكَوْنِهَا أَكْثَرَ لَمْ يَرْجِعْ بِالزَّائِدِ عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْ قِيمَةِ وَقْتِ قَبْضِ الْمُشْتَرِي إلَى التَّلَفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَلَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَغْرَمُ الزَّائِدَ، فَلَا يَصْدُقُ بِهِ الضَّابِطُ الْمَذْكُورُ‏.‏ فَائِدَةٌ‏:‏ تُكْتَبُ مَا مِنْ كُلَّ مَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ ظَرْفٍ، كَمَا هُنَا مَفْصُولَةً وَإِلَّا فَمَوْصُولَةً كَكُلَّمَا رَأَيْت زَيْدًا فَأَكْرِمْهُ ‏(‏قُلْتُ‏)‏ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ ‏(‏وَكُلُّ مَنْ انْبَنَتْ‏)‏ بِنُونٍ فَمُوَحَّدَةٍ فَنُونٍ فَمُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ بِضَبْطِ الْمُصَنِّفِ ‏(‏يَدُهُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ‏)‏ غَيْرِ الْمُشْتَرِي ‏(‏فَكَالْمُشْتَرِي‏)‏ فِي الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ فِي الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ ‏(‏وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ بَيَانُ ذَلِكَ، فَقَالَ‏:‏ وَالْأَيْدِي الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ أَيْدِي ضَمَانٍ إلَخْ فَتَأَمَّلْ مَا قَالَهُ هُنَاكَ، وَقَيِّدْ بِهِ مَا أَطْلَقَهُ هُنَا‏.‏

خَاتِمَةٌ‏:‏

لَوْ وَقَعَ فَصِيلٌ فِي بَيْتٍ أَوْ دِينَارٌ فِي مِحْبَرَةٍ وَلَمْ يَخْرُجْ الْأَوَّلُ إلَّا بِهَدْمِ الْبَيْتِ، وَالثَّانِي‏:‏ إلَّا بِكَسْرِ الْمِحْبَرَةِ، فَإِنْ كَانَ الْوُقُوعُ بِتَفْرِيطِ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَالْمَحْبَرَةِ فَلَا غُرْمَ عَلَى مَالِكِ الْفَصِيلِ وَالدِّينَارِ، وَإِلَّا غَرِمَ الْأَرْشَ، فَإِنْ كَانَ الْوُقُوعُ بِتَفْرِيطِهِمَا، فَالْوَجْهُ كَمَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّهُ إنَّمَا يَغْرَمُ النِّصْفَ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّفْرِيطِ كَالْمُتَصَادَمِينَ، وَلَوْ أَدْخَلَتْ بَهِيمَةٌ رَأْسَهَا فِي قِدْرٍ وَلَمْ تَخْرُجْ إلَّا بِكَسْرِهَا كُسِرَتْ لِتَخْلِيصِهَا وَلَا تُذْبَحُ الْمَأْكُولَةُ لِذَلِكَ، ثُمَّ إنْ صَحِبَهَا مَالِكُهَا فَعَلَيْهِ الْأَرْشُ لِتَفْرِيطِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا، فَإِنْ تَعَدَّى صَاحِبُ الْقِدْرِ بِوَضْعِهَا بِمَوْضِعٍ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ أَوْ لَهُ فِيهِ حَقٌّ لَكِنَّهُ قَدَرَ عَلَى دَفْعِ الْبَهِيمَةِ فَلَمْ يَدْفَعْهَا فَلَا أَرْشَ لَهُ، وَلَوْ تَعَدَّى كُلٌّ مِنْ مَالِكِ الْقِدْرِ وَالْبَهِيمَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا مَرَّ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ، وَلَوْ ابْتَلَعَتْ بَهِيمَةٌ جَوْهَرَةً لَمْ تُذْبَحْ لِتَخْلِيصِهَا وَإِنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً بَلْ يَغْرَمُ مَالِكُهَا إنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا قِيمَةَ الْجَوْهَرَةِ لِلْحَيْلُولَةِ، فَإِنْ ابْتَلَعَتْ مَا يَفْسُدُ بِالِابْتِلَاعِ غُرِّمَ قِيمَتَهُ لِلْفَيْصُولَةِ، وَلَوْ ابْتَاعَهَا بِطَعَامٍ مُعَيَّنٍ، فَأَكَلَتْهُ قَبْلَ قَبْضِهِ بِوَجْهٍ مَضْمُونٍ اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ وَوَقَعَ ذَلِكَ قَبْضًا لِلثَّمَنِ وَإِلَّا انْفَسَخَ الْعَقْدُ أَوْ بَعْدَ قَبْضِهِ فَقَدْ أَتْلَفَتْ مَالًا لِلْبَائِعِ، فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، وَلَوْ غَصَبَ لُؤْلُؤَةً وَدَجَاجَةً فَابْتَلَعَتْ الدَّجَاجَةُ اللُّؤْلُؤَةَ، يُقَالُ لَهُ‏:‏ إنْ لَمْ تَذْبَحْ الدَّجَاجَةَ غَرَّمْنَاك قِيمَةَ اللُّؤْلُؤَةِ، فَإِنْ ذَبَحْتَهَا غَرَّمْنَاك أَرْشَ الدَّجَاجَةِ، وَلَوْ غَصَبَ لُؤْلُؤَةً مَثَلًا وَابْتَلَعَهَا وَأَمْكَنَ إخْرَاجُهَا بِشُرْبِ دَوَاءٍ هَلْ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ أَوْ لَا‏؟‏ أَفْتَى الْقَفَّالُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَلْ يَغْرَمُ الْقِيمَةَ‏:‏ أَيْ لِلْحَيْلُولَةِ كَمَا مَرَّ، وَلَوْ غَصَبَ ثَوْبًا فَتَنَجَّسَ عِنْدَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَطْهِيرُهُ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ وَلَا يُكَلَّفُ تَطْهِيرَهُ، فَإِنْ طَهَّرَهُ فَنَقَصَ ضَمِنَ أَرْشَ النَّقْصِ وَإِنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ فَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ التَّطْهِيرِ وَأَرْشُ نَقْصِهِ إنْ نَقَصَ، وَيَضْمَنُ الْغَاصِبُ نَقْصَ الشَّبَابِ بِالْكِبَرِ، وَنَقْصَ النُّهُودِ بِتَدَلِّي الثَّدْيِ، وَنَقْصَ الْمُرُودَةِ بِالِالْتِحَاءِ، وَنَقْصَ الْفَحْلِ بِالضِّرَابِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، وَالْوَلَدُ الْحَاصِلُ بِضِرَابِ الْفَحْلِ لِمَالِكِ الْأُمِّ وَإِنْ كَانَتْ لِلْغَاصِبِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْغَاصِبِ لِلْإِنْزَاءِ بِلَا نَقْصٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِمَالٍ‏.‏‏.‏

كِتَابُ الشُّفْعَةِ

الشَّرْحُ‏:‏

كِتَابُ الشُّفْعَةِ وَهِيَ بِضَمِّ الشِّينِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ، وَحُكِيَ ضَمُّهَا لُغَةً مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّفْعِ بِمَعْنَى الضَّمِّ عَلَى الْأَشْهَرِ، مِنْ شَفَعْتُ الشَّيْءَ ضَمَمْتُهُ، وَمِنْهُ شَفْعُ الْأَذَانِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِضَمِّ نَصِيبِ الشَّرِيكِ إلَى نَصِيبِهِ، أَوْ بِمَعْنَى التَّقْوِيَةِ أَوْ الزِّيَادَةِ، وَقِيلَ‏:‏ مِنْ الشَّفَاعَةِ‏.‏ وَشَرْعًا‏:‏ حَقُّ تَمَلُّكٍ قَهْرِيٍّ يَثْبُتُ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ عَلَى الْحَادِثِ فِيمَا مُلِكَ بِعِوَضٍ‏.‏ وَالْأَصْلُ فِيهَا خَبَرُ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ‏{‏قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ‏}‏ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ‏"‏ فِي أَرْضٍ أَوْ رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ ‏"‏ وَالرَّبْعُ‏:‏ الْمَنْزِلُ، وَالْحَائِطُ‏:‏ الْبُسْتَانُ وَالْمَعْنَى فِيهِ ضَرَرُ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ أَوْ اسْتِحْدَاثُ الْمَرَافِقِ كَالْمِصْعَدِ وَالْمِنْوَرِ وَالْبَالُوعَةِ فِي الْحِصَّةِ الصَّائِرَةِ إلَيْهِ، وَقِيلَ‏:‏ دَفْعُ ضَرَرِ الْمُشَارَكَةِ‏.‏ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ‏:‏ وَالْعَفْوُ عَنْهَا أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرِي نَادِمًا أَوْ مَغْبُونًا، وَذُكِرَتْ عَقِبَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ قَهْرًا فَكَأَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ تَحْرِيمِ أَخْذِ مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا، وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيهَا الْإِجْمَاعَ لَكِنْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ التَّابِعِينَ إنْكَارَهَا‏.‏ قَالَ الدَّمِيرِيُّ‏:‏ وَلَعَلَّ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ‏.‏ وَأَرْكَانُهَا ثَلَاثَةٌ‏:‏ مَأْخُوذٌ، وَآخِذٌ، وَمَأْخُوذٌ مِنْهُ، وَالصِّيغَةُ إنَّمَا تَجِبُ فِي التَّمْلِيكِ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏

المتن‏:‏

لَا تَثْبُتُ فِي مَنْقُولٍ، بَلْ فِي أَرْضٍ وَمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ تَبَعًا وَكَذَا ثَمَرٌ لَمْ يُؤَبَّرْ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا شُفْعَةَ فِي حُجْرَةٍ بُنِيَتْ عَلَى سَقْفٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ وَكَذَا مُشْتَرَكٌ فِي الْأَصَحِّ، وَكُلُّ مَا لَوْ قُسِمَ بَطَلَتْ مَنْفَعَتُهُ الْمَقْصُودَةُ كَحَمَّامٍ وَرَحًى لَا شُفْعَةَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَقَدْ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الْأَوَّلِ، فَقَالَ ‏(‏لَا تَثْبُتُ‏)‏ الشُّفْعَةُ ‏(‏فِي مَنْقُولٍ‏)‏ كَالْحَيَوَانِ وَالثِّيَابِ، سَوَاءٌ أَبِيعَتْ وَحْدَهَا أَمْ مَضْمُومَةً إلَى أَرْضٍ لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ فَإِنَّهُ يَخُصُّهَا بِمَا تَدْخُلُهُ الْقِسْمَةُ وَالْحُدُودُ وَالطُّرُقُ، وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي الْمَنْقُولَاتِ؛ وَلِأَنَّ الْمَنْقُولَ لَا يَدُومُ، بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَيَتَأَبَّدُ فِيهِ ضَرَرُ الْمُشَارَكَةِ، وَالشُّفْعَةُ تَمَلُّكٌ بِالْقَهْرِ، فَنَاسَبَ مَشْرُوعِيَّتَهَا عِنْدَ شِدَّةِ الضَّرَرِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَنْقُولِ ابْتِدَاءً لِتَخْرُجَ الدَّارُ إذَا انْهَدَمَتْ بَعْدَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ، فَإِنَّ نَقْضَهَا يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا تَثْبُتُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ التَّنْبِيهِ لَا تَجِبُ ‏(‏بَلْ فِي أَرْضٍ وَمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ‏)‏ وَتَوَابِعِهِ الدَّاخِلَةِ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ مِنْ أَبْوَابٍ مَنْصُوبَةٍ وَرُفُوفٍ مُسَمَّرَةٍ وَمَسَامِيرَ وَمَفَاتِيحَ غَلْقٍ مُثَبَّتٍ وَدُولَابٍ ثَابِتٍ وَحَجَرِ الطَّاحُونَةِ وَنَحْوِهَا كَغِطَاءِ تَنُّورٍ ‏(‏وَ‏)‏ مِنْ ‏(‏شَجَرٍ تَبَعًا‏)‏ لَهَا، وَفِي مَعْنَى الشَّجَرِ أَصْلُ مَا يُجَزُّ مِرَارًا كَالْقَتِّ وَالْهِنْدَبَاءِ، وَشَرْطُ تَبَعِيَّةِ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ لِلْأَرْضِ أَنْ تُبَاعَ الْأَشْجَارُ مَعَ الْبَيَاضِ الَّذِي يَتَخَلَّلُهَا أَوْ مَعَ الْبُسْتَانِ كُلِّهِ، فَلَوْ بَاعَ شِقْصًا مِنْ جِدَارِهِ وَأَسَاسِهِ فَقَطْ أَوْ مِنْ أَشْجَارٍ وَمَغَارِسِهَا فَقَطْ فَإِنَّهُ لَا شُفْعَةَ عَلَى الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ هُنَا تَابِعَةٌ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ صَرَّحَ بِدُخُولِ الْأَسَاسِ وَالْمَغْرَسِ فِي الْبَيْعِ وَكَانَا مَرْئِيَّيْنِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَرَهُمَا وَصَرَّحَ بِدُخُولِهِمَا لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ فِي الْأَرْضِ‏.‏ فَإِنْ قِيلَ كَلَامُهُمْ فِي الْبَيْعِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا قَالَ‏:‏ بِعْتُكَ الْجِدَارَ وَأَسَاسَهُ أَنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يَرَ الْأَسَاسَ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْأَسَاسُ الَّذِي هُوَ بَعْضُ الْجِدَارِ كَحَشْوِ الْجُبَّةِ‏.‏ أَمَّا الْأَسَاسُ الَّذِي هُوَ مَكَانَ الْبِنَاءِ، فَهُوَ عَيْنٌ مُنْفَصِلَةٌ لَا تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الْأَصَحِّ، فَإِذَا صَرَّحَ بِهِ اُشْتُرِطَ فِيهِ شُرُوطُ الْمَبِيعِ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ تَبَعًا عَمَّا إذَا بَاعَ أَرْضًا وَفِيهَا شَجَرَةٌ جَافَّةٌ شَرَطَا دُخُولَهَا فِي الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ بِالتَّبَعِ بَلْ بِالشَّرْطِ ‏(‏وَكَذَا ثَمَرٌ لَمْ يُؤَبَّرْ‏)‏ تَثْبُتُ فِيهِ تَبَعًا لِلْأَرْضِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ فَيَتْبَعُهُ فِي الْأَخْذِ قِيَاسًا عَلَى الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ وَلَوْ لَمْ يَتَّفِقْ الْأَخْذُ لَهَا حَتَّى أُبِّرَتْ لِدُخُولِهَا فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِهِ التَّأْبِيدُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ انْقَطَعَ أَمْ لَا، وَكَذَا كُلُّ مَا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ ثُمَّ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ كَمَا لَوْ انْفَصَلَتْ الْأَبْوَابُ بَعْدَ الْبَيْعِ وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ الشَّجَرَ بِثَمَرَةٍ حَدَثَتْ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَلَمْ تُؤَبَّرْ عِنْدَ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَبِعَتْ الْأَصْلَ فِي الْبَيْعِ فَتَبِعَتْهُ فِي الْأَخْذِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أُبِّرَتْ عِنْدَهُ فَلَا يَأْخُذُهَا لِانْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ‏.‏ أَمَّا الْمُؤَبَّرَةُ عِنْدَ الْبَيْعِ إذَا دَخَلَتْ بِالشَّرْطِ‏.‏ فَلَا تُؤْخَذُ لِمَا سَبَقَ مِنْ انْتِفَاءِ التَّبَعِيَّةِ فَتَخْرُجُ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ‏:‏ كَالزَّرْعِ وَالْجِزَّةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ فِي مُطْلَقِ الْبَيْعِ مِمَّا يَتَكَرَّرُ وَيَبْقَى كُلُّ مَا لَا يَأْخُذُهُ مِنْ ثَمَرَةٍ وَزَرْعٍ وَجِزَّةٍ إلَى أَوَانِ الْجُذَاذِ ‏(‏وَلَا شُفْعَةَ فِي حُجْرَةٍ بُنِيَتْ عَلَى سَقْفٍ غَيْرِ مُشْتَرَكٍ‏)‏، بِأَنْ اخْتَصَّ بِهِ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا أَوْ غَيْرُهُمَا، إذْ لَا أَرْضَ لَهَا، فَهِيَ كَالْمَنْقُولَاتِ ‏(‏وَكَذَا‏)‏ سَقْفٌ ‏(‏مُشْتَرَكٌ فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّ السَّقْفَ الَّذِي هُوَ أَرْضُهَا لَا ثَبَاتَ لَهُ أَيْضًا‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَجْعَلُهُ كَالْأَرْضِ، وَلَوْ كَانَ السُّفْلُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَالْعُلْوُ لِأَحَدِهِمَا فَبَاعَهُ وَنَصِيبَهُ مِنْ السُّفْلِ، فَالشُّفْعَةُ فِي نَصِيبِهِ مِنْ السُّفْلِ، لَا فِي الْعُلْوِ؛ لِأَنَّهُ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِيهِ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ مُشْتَرَكَةً وَفِيهَا أَشْجَارٌ لِأَحَدِهِمَا فَبَاعَهُ مَعَ نَصِيبِهِ مِنْهَا، فَالشُّفْعَةُ فِي الْأَرْضِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ لَا فِي الشَّجَرِ ‏(‏وَكُلُّ مَا لَوْ قُسِمَ بَطَلَتْ مَنْفَعَتُهُ الْمَقْصُودَةُ كَحَمَّامٍ وَرَحًى‏)‏ أَيْ طَاحُونَةٍ، صَغِيرَيْنِ لَا يَجِيءُ مِنْهُمَا حَمَّامَانِ وَطَاحُونَتَانِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ ‏(‏لَا شُفْعَةَ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ دَفْعُ ضَرَرِ مُؤْنَةِ الْقِسْمَةِ وَاسْتِحْدَاثِ الْمَرَافِقِ إلَخْ، وَالثَّانِي‏:‏ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ دَفْعُ ضَرَرِ الشَّرِكَةِ فِيمَا يَدُومُ، وَكُلٌّ مِنْ الضَّرَرَيْنِ حَاصِلٌ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَمِنْ حَقِّ الرَّاغِبِ فِيهِ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُخَلِّصَ صَاحِبَهُ مِنْهُمَا بِالْبَيْعِ لَهُ، فَإِذَا بَاعَ لِغَيْرِهِ سَلَّطَهُ الشَّرْعُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ، لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ ‏{‏قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ‏}‏‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الْمُرَادُ بِإِمْكَانِ الْقِسْمَةِ‏:‏ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْآلَات كَحَجَرِ الطَّاحُونِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَسْمُهُ حَجَرَيْنِ، وَعَبَّرَ فِي الْمُحَرَّرِ بِالطَّاحُونَةِ فَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى الرَّحَى، وَهُمَا مُتَرَادِفَانِ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ‏.‏ قَالَ السُّبْكِيُّ‏:‏ وَلَا أَدْرِي بِأَيِّ مَعْنَى عَدَلَ عَنْ عِبَارَةِ الْمُحَرَّرِ، وَفِي بِلَادِنَا أَنَّ الطَّاحُونَ يُطْلَقُ عَلَى الْمَكَانَ وَالرَّحَى عَلَى الْحَجَرِ، وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحَجَرَ لَيْسَ الْمُرَادَ هُنَا فَإِنَّهُ مَنْقُولٌ، وَالشُّفْعَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ فِيهِ تَبَعًا لِلْمَكَانِ، فَالْمُرَادُ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِلطَّحْنِ ا هـ‏.‏

قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ فَتَعْبِيرُ الْمُحَرَّرِ أَوْلَى، وَيَثْبُتُ لِمَالِكِ عُشْرِ الدَّارِ الصَّغِيرَةِ إنْ بَاعَ مَالِكُ تِسْعَةِ الْأَعْشَارِ نَصِيبَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَبَ مِنْ مَالِكِ الْعُشْرِ الْقِسْمَةَ أُجْبِرَ عَلَيْهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ مَالِكُ الْعُشْرِ نَصِيبَهُ فَإِنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَثْبُتُ لِلْآخَرِ لِأَمْنِهِ مِنْ الْقَسْمِ، إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهَا فَلَا يُجَابُ طَالِبُهَا لِتَعَنُّتِهِ، وَلَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ أَرْضٍ تَنْقَسِمُ وَفِيهَا بِئْرُ مَاءٍ لَا تَنْقَسِمُ، وَيُسْقَى مِنْهَا ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ فِي الْأَرْضِ دُونَ الْبِئْرِ، بِخِلَافِ الشَّجَرِ الثَّابِتِ فِي الْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي مَحِلِّ الشُّفْعَةِ وَالْبِئْرُ مُبَايِنَةٌ عَنْهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا شُفْعَةَ إلَّا لِشَرِيكٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الثَّانِي، وَهُوَ الْأَخْذُ، فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَلَا شُفْعَةَ إلَّا لِشَرِيكٍ‏)‏ فِي رَقَبَةِ الْعَقَارِ فَلَا تَثْبُتُ لِلْجَارِ لِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ الْمَارِّ، وَلَا لِلشَّرِيكِ فِي غَيْرِ رَقَبَةِ الْعَقَارِ كَالشَّرِيكِ فِي الْمَنْفَعَةِ فَقَطْ، كَأَنْ مَلَكَهَا بِوَصِيَّةٍ، وَلَوْ قَضَى بِالشُّفْعَةِ لِلْجَارِ حَنَفِيٌّ لَمْ يَنْقَضِ حُكْمُهُ، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِهَا لِشَافِعِيٍّ كَنَظَائِرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ، وَتَثْبُتُ لِذِمِّيٍّ عَلَى مُسْلِمٍ وَمُكَاتَبٍ عَلَى سَيِّدٍ كَعَكْسِهِمَا، وَلَوْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ شِقْصٌ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ لِيُصْرَفَ فِي عِمَارَتِهِ ثُمَّ بَاعَ شَرِيكُهُ نَصِيبَهُ كَانَ لِلْقَيِّمِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً، وَلَوْ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ شَرِيكٌ فِي أَرْضٍ فَبَاعَ شَرِيكُهُ كَانَ لِلْإِمَامِ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً، وَلَا شُفْعَةَ لِصَاحِبِ شِقْصٍ مِنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، إذَا بَاعَ شَرِيكُهُ نَصِيبَهُ وَلَا شَرِيكُهُ إذَا بَاعَ شَرِيكٌ آخَرُ نَصِيبَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ لِامْتِنَاعِ قِسْمَةِ الْوَقْفِ عَنْ الْمِلْكِ، وَلِانْتِفَاءِ مِلْكِ الْأَوَّلِ عَيْنَ الرَّقَبَةِ‏.‏ نَعَمْ مَا اخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ، وَالْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ قِسْمَتِهِ عَنْهُ لَا مَانِعَ مِنْ أَخْذِ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ قِسْمَةَ إفْرَازٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ بَاعَ دَارًا وَلَهُ شَرِيكٌ فِي مَمَرِّهَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا، وَالصَّحِيحُ ثُبُوتُهَا فِي الْمَمَرِّ إنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي طَرِيقٌ آخَرُ إلَى الدَّارِ، أَوْ أَمْكَنَ فَتْحُ بَابٍ إلَى شَارِعٍ وَإِلَّا فَلَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ بَاعَ دَارًا وَلَهُ شَرِيكٌ فِي مَمَرِّهَا‏)‏ فَقَطْ التَّابِعِ لَهَا، فَإِنْ كَانَ دَرْبًا غَيْرَ نَافِذٍ ‏(‏فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا‏)‏ لِانْتِفَاءِ الشَّرِكَةِ فِيهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ بَاعَ عَقَارًا غَيْرَ مُشْتَرَكٍ وَشِقْصًا مُشْتَرَكًا ‏(‏وَالصَّحِيحُ ثُبُوتُهَا فِي الْمَمَرِّ‏)‏ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ ‏(‏إنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي طَرِيقٌ آخَرُ إلَى الدَّارِ أَوْ أَمْكَنَ فَتْحُ بَابٍ‏)‏ لَهَا ‏(‏إلَى شَارِعٍ‏)‏ أَوْ إلَى مِلْكِهِ لِإِمْكَانِ الْوُصُولِ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَإِنْ احْتَاجَ إحْدَاثُ الْمَمَرِّ إلَى مُؤْنَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، ‏(‏فَلَا‏)‏ تَثْبُتُ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ إضْرَارِ الْمُشْتَرِي، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، وَالثَّانِي‏:‏ تَثْبُتُ فِيهِ وَالْمُشْتَرِي هُوَ الْمُضِرُّ بِنَفْسِهِ بِشِرَائِهِ هَذِهِ الدَّارَ، وَالثَّالِثُ‏:‏ الْمَنْعُ مُطْلَقًا إذَا كَانَ فِي اتِّخَاذِ الْمَمَرِّ عُسْرٌ أَوْ مُؤَنٌ لَهَا وَقَعَ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يَتَّسِعْ الْمَمَرُّ، فَإِنْ اتَّسَعَ بِحَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ يُتْرَكَ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ شَيْءٌ يَمُرُّ فِيهِ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِي الْبَاقِي قَطْعًا، وَفِي الْمِقْدَارِ الَّذِي لَا يَتَأَتَّى الْمُرُورُ بِدُونِهِ الْخِلَافُ‏.‏ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ أَمَّا الدَّرْبُ النَّافِذُ فَغَيْرُ مَمْلُوكٍ فَلَا شُفْعَةَ فِي مَمَرِّ الدَّارِ الْمَبِيعَةِ مِنْهُ قَطْعًا، وَلَوْ بَاعَ نَصِيبًا يُقْسَمُ مِنْ مَمَرٍّ؛ لَا يَنْفُذُ فَلِأَهْلِهِ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ فِيهِ، وَلَوْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَمَرِّ خَاصَّةً، فَفِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَنَّ لِلشَّرِيكِ الشُّفْعَةَ إنْ كَانَ مُنْقَسِمًا‏.‏ فَإِنْ قِيلَ الْمَمَرُّ مِنْ حَرِيمِ الدَّارِ، وَهُوَ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ؛ وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى بَقَاءِ الدَّارِ بِلَا مَمَرٍّ فَهُوَ كَمَنْ بَاعَ دَارًا وَاسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ مِنْهَا بَيْتًا، وَالْأَصَحُّ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ بُطْلَانُهُ‏.‏ أُجِيبَ بِأَنَّ الدَّارَ مُتَّصِلَةٌ بِمِلْكِهِ أَوْ شَارِعٍ، وَلَوْ اشْتَرَى مَنْ لَهُ دَارٌ لَا مَمَرَّ لَهَا نَصِيبَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي مَمَرٍّ ثَبَتَتْ الشُّفْعَةُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْمُشْتَرِي تَحْصِيلَ مَمَرٍّ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْلِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الْمَمَرَّ لَيْسَ مِنْ حُقُوقِ الدَّارِ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَبِهَذَا فَارَقَتْ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ، وَالشَّرِكَةُ فِي صَحْنِ الْخَانِ دُونَ بُيُوتِهِ، وَفِي مَجْرَى الْمَاءِ دُونَ الْأَرْضِ، وَفِي بِئْرِ الْمَزْرَعَةِ دُونَ الْمَزْرَعَةِ كَالشَّرِكَةِ فِي الْمَمَرِّ فِيمَا مَرَّ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنَّمَا تَثْبُتُ فِيمَا مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ مِلْكًا لَازِمًا مُتَأَخِّرًا عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ كَمَبِيعٍ وَمَهْرٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ وَصُلْحِ دَمٍ، وَنُجُومٍ وَأُجْرَةٍ وَرَأْسِ مَالِ سَلَمٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ الرُّكْنِ الثَّالِث، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِالشُّفْعَةِ، وَقَالَ ‏(‏وَإِنَّمَا تَثْبُتُ‏)‏ الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ ‏(‏فِيمَا مُلِكَ‏)‏ أَيْ فِي شَيْءٍ مَلَكَهُ الشَّرِيكُ الْحَادِثُ ‏(‏بِمُعَاوَضَةٍ‏)‏ مَحْضَةٍ كَالْبَيْعِ، أَوْ غَيْرِ مَحْضَةٍ كَالْمَهْرِ‏.‏ أَمَّا الْبَيْعُ فَبِالنَّصِّ، وَالْبَاقِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ بِجَامِعِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمُعَاوَضَةِ مَعَ لُحُوقِ الضَّرَرِ، فَلَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِيمَا مُلِكَ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ كَإِرْثٍ وَهِبَةٍ بِلَا ثَوَابٍ وَوَصِيَّةٍ وَفَسْخٍ‏.‏ أَمَّا الْمَمْلُوكُ بِالْإِرْثِ، فَلِأَنَّهُ قَهْرِيٌّ فَلَمْ يَضُرَّ بِالشَّرِيكِ، بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَلَّا يُدْخِلَ عَلَى الشَّرِيكِ ضَرَرًا، فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ تَسَلَّطَ الشَّرِيكُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مَا مُلِكَ بِالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْفَسْخِ؛ فَلِأَنَّهُ لَا عِوَضَ فِيهَا فَتُؤْخَذُ بِهِ، وَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الْفَسْخِ‏:‏ أَنْ يَعْلَمَ بِالْبَيْعِ، فَلَمْ يَأْخُذْ ثُمَّ انْفَسَخَ بِعَيْبٍ أَوْ إقَالَةٍ أَوْ فَلَسٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ‏.‏ أَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالْبَيْعِ إلَّا بَعْدَ صُدُورِ الْفَسْخِ فَإِنَّ لَهُ رَدَّ الْفَسْخِ، وَالْأَخْذَ بِالْعَقْدِ الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ ‏(‏مِلْكًا لَازِمًا‏)‏ قَيْدٌ مُضِرٌّ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمُشْتَرِي كَمَا سَيَأْتِي، وَعَدَمُ ثُبُوتِهَا فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْبَائِعِ أَوْ خِيَارِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ الطَّارِئِ لَا لِعَدَمِ اللُّزُومِ‏.‏ نَعَمْ لَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ فِي الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ لَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ إلَّا بَعْدَ لُزُومِهِ لِئَلَّا يَبْطُلَ خِيَارُهُ، نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ ‏(‏مُتَأَخِّرًا‏)‏ سَبَبُهُ ‏(‏عَنْ‏)‏ سَبَبِ ‏(‏مِلْكِ الشَّفِيعِ‏)‏‏.‏ ثُمَّ شَرَعَ فِي أَمْثِلَةِ الْمُعَاوَضَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَقَالَ ‏(‏كَمَبِيعٍ وَمَهْرٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ، وَ‏)‏ عِوَضِ ‏(‏صُلْحِ دَمٍ‏)‏ فِي جِنَايَةِ الْعَمْدِ، فَإِنْ كَانَتْ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَالْوَاجِبُ فِيهَا إنَّمَا هُوَ الْإِبِلُ وَالْمُصَالَحَةُ عَنْهَا بَاطِلَةٌ عَلَى الْأَصَحِّ لِجَهَالَةِ صِفَاتِهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

تَقْيِيدُ الصُّلْحِ بِالدَّمِ لَيْسَ لِإِخْرَاجِ الصُّلْحِ عَنْ الْمَالِ فَإِنَّهُ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ فِيهِ قَطْعًا، وَإِنَّمَا خَصَّصَهُ لِيَكُونَ مُنْتَظِمًا فِي سِلْكِ الْخُلْعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُعَاوَضَةٌ غَيْرُ مَحْضَةٍ، وَقَوْلُهُ ‏(‏وَنُجُومٍ‏)‏ أَيْ وَعِوَضِ صُلْحٍ عَنْ نُجُومِ كِتَابَةٍ، كَأَنْ مَلَكَ الْمُكَاتَبُ شِقْصًا فَصَالَحَ سَيِّدَهُ بِهِ عَنْ النُّجُومِ الَّتِي عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالشِّقْصُ لَا يَكُونُ نُجُومَ كِتَابَةٍ؛ لِأَنَّ عِوَضَهَا لَا يَكُونُ إلَّا دَيْنًا، وَالشِّقْصُ لَا يُتَصَوَّرُ ثُبُوتُهُ فِي الذِّمَّةِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الِاعْتِيَاضِ عَنْ النُّجُومِ، وَهُوَ وَجْهٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ، وَصَحَّحَهُ السُّبْكِيُّ، وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ كَمَا صَحَّحَاهُ فِي كِتَابِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ كَالْمُسْلَمِ فِيهِ، وَقَوْلُهُ ‏(‏وَأُجْرَةٍ وَرَأْسِ مَالِ سَلَمٍ‏)‏ هُمَا مَعْطُوفَانِ عَلَى مَبِيعٍ، فَلَوْ جَعَلَهُمَا قَبْلَ الْمَهْرِ كَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَطْفَهُمَا عَلَى خُلْعٍ فَيَصِيرَ الْمُرَادُ عِوَضَ أُجْرَةٍ وَعِوَضَ رَأْسِ مَالِ سَلَمٍ، وَلَيْسَ مُرَادًا؛ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِ السَّلَمِ لَا يَصِحُّ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَلَوْ قَالَ لِمُسْتَوْلَدَةٍ‏:‏ إنْ خَدَمْتِ أَوْلَادِي بَعْدَ مَوْتِي سَنَةً فَلَكِ هَذَا الشِّقْصُ فَخَدَمَتْهُمْ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ شُرِطَ فِي الْبَيْعِ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ لَمْ يُؤْخَذْ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْخِيَارُ، وَإِنْ شُرِطَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ إنْ قُلْنَا‏:‏ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ شُرِطَ فِي الْبَيْعِ الْخِيَارُ لَهُمَا‏)‏ أَيْ الْمُتَبَايِعَيْنِ ‏(‏أَوْ‏)‏ شُرِطَ ‏(‏لِلْبَائِعِ‏)‏ وَحْدَهُ ‏(‏لَمْ يُؤْخَذْ‏)‏ ذَلِكَ الشِّقْصُ ‏(‏بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْخِيَارُ‏)‏ سَوَاءٌ أَقُلْنَا‏:‏ الْمِلْكُ فِي زَمَنِهِ لِلْبَائِعِ أَمْ لِلْمُشْتَرِي أَمْ مَوْقُوفٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ‏:‏ لَهُمَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، فَإِنَّ الْمَانِعَ ثُبُوتُهُ لِلْبَائِعِ ‏(‏وَإِنْ شُرِطَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُؤْخَذُ‏)‏ بِالشُّفْعَةِ ‏(‏إنْ قُلْنَا‏:‏ الْمِلْكُ‏)‏ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ ‏(‏لِلْمُشْتَرِي‏)‏ وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْخِيَارِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ قُلْنَا‏:‏ الْمِلْكُ فِي زَمَنِهِ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ ‏(‏فَلَا‏)‏ يُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ زَمَنَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ غَيْرُ زَائِلٍ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ، وَغَيْرُ مَعْلُومِ الزَّوَالِ عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَلَامُهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي هَذَا الشِّقِّ قَوْلَانِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ وَجْهَانِ، وَمَا ذُكِرَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ يَجْرِي فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَيُتَصَوَّرُ انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِإِسْقَاطِ الْآخَرِ خِيَارَ نَفْسِهِ، فَلَوْ عَبَّرَ بِثَبْتِ الْخِيَارِ لَكَانَ أَوْلَى، وَقَدْ عُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْبَيْعِ وَنَحْوه لَا يَكْفِي فِي ثُبُوتِ الشُّفْعَةِ بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ مَنْ فِي مَعْنَاهُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فِيمَا مُلِكَ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالشِّقْصِ عَيْبًا وَأَرَادَ رَدَّهُ بِالْعَيْبِ وَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَهُ، وَيَرْضَى بِالْعَيْبِ فَالْأَظْهَرُ إجَابَةُ الشَّفِيعِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالشِّقْصِ‏)‏ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ اسْمٌ لِلْقِطْعَةِ مِنْ الشَّيْءِ ‏(‏عَيْبًا وَأَرَادَ‏)‏ الْمُشْتَرِي ‏(‏رَدَّهُ بِالْعَيْبِ وَأَرَادَ الشَّفِيعُ أَخْذَهُ وَيَرْضَى بِالْعَيْبِ فَالْأَظْهَرُ إجَابَةُ الشَّفِيعِ‏)‏، حَتَّى لَا يَبْطُلَ حَقُّهُ مِنْ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ عَلَى حَقِّ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِالْبَيْعِ وَحَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الرَّدِّ ثَابِتٌ بِالِاطِّلَاعِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ إجَابَةُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ إنَّمَا يَأْخُذُ إذَا اسْتَقَرَّ الْعَقْدُ وَسَلِمَ عَنْ الرَّدِّ، وَيَجْرِي الْخِلَافُ إذَا كَانَ الثَّمَنُ مَعِيبًا كَعَبْدٍ وَأَرَادَ الْبَائِعُ رَدَّهُ، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ رَدَّ الْمُشْتَرِي قَبْلَ مُطَالَبَةِ الشَّفِيعِ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَرُدَّ الرَّدَّ وَيَأْخُذَ فِي الْأَصَحِّ، وَهَلْ يُفْسَخُ الرَّدُّ أَوْ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ كَانَ بَاطِلًا وَجْهَانِ‏:‏ صَحَّحَ السُّبْكِيُّ الْأَوَّلَ وَفَائِدَتُهُمَا كَمَا قَالَ فِي الْمَطْلَبِ‏:‏ الْفَوَائِدُ وَالزَّوَائِدُ مِنْ الرَّدِّ إلَى الْأَخْذِ، وَيُلْتَحَقُ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ الرَّدُّ بِالْإِقَالَةِ، وَلَوْ أَصْدَقَهَا شِقْصًا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ النِّصْفِ الَّذِي اسْتَقَرَّ لَهَا، وَكَذَا الْعَائِدُ لِلزَّوْجِ لِثُبُوتِ حَقِّ الشَّفِيعِ بِالْعَقْدِ، وَالزَّوْجُ إنَّمَا ثَبَتَ حَقُّهُ بِالطَّلَاقِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الْأَخْذِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ الْخِلَافَ قَوْلَانِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ دَارًا أَوْ بَعْضَهَا فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي مُحْتَرَزِ قَوْلِهِ مُتَأَخِّرًا عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ فَقَالَ‏:‏ ‏(‏وَلَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ‏)‏ مَعًا ‏(‏دَارًا أَوْ بَعْضَهَا فَلَا شُفْعَةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ‏)‏ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي وَقْتِ حُصُولِ الْمِلْكِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أُورِدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ فَبَاعَ الْآخَرُ نَصِيبَهُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بَيْعَ بَتٍّ فَالشُّفْعَةُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَشْفَعْ بَائِعُهُ لِتَقَدُّمِ سَبَبِ مِلْكِهِ عَلَى سَبَبِ مِلْكِ الثَّانِي، لَا لِلثَّانِي وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ مِلْكِهِ مِلْكُ الْأَوَّلِ لِتَأَخُّرِ سَبَبِ مِلْكِهِ عَنْ سَبَبِ مِلْكِ الْأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَا مُرَتَّبًا بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُمَا دُونَ الْمُشْتَرِي سَوَاءٌ أَجَازَا مَعًا أَمْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَر، فَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ كَمَا قَدَّرْتُهُ كَانَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْمِلْكِ وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِكُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ جُمْلَتِهِمْ كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي شِرْكٌ فِي الْأَرْضِ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الشَّرِيكَ لَا يَأْخُذُ كُلَّ الْمَبِيعِ بَلْ حِصَّتَهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي شِرْكٌ‏)‏ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ أَيْ نَصِيبٌ ‏(‏فِي الْأَرْضِ‏)‏؛ كَأَنْ تَكُونَ بَيْنَ ثَلَاثَةٍ أَثْلَاثًا فَبَاعَ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ لِأَحَدِ شَرِيكَيْهِ ‏(‏فَالْأَصَحُّ أَنَّ الشَّرِيكَ لَا يَأْخُذُ كُلَّ الْمَبِيعِ‏)‏ وَهُوَ الثُّلُثُ فِي هَذَا الْمِثَالِ ‏(‏بَلْ‏)‏ يَأْخُذُ ‏(‏حِصَّتَهُ‏)‏ أَيْ نَصِيبَهُ مِنْهُ، وَهِيَ فِي هَذَا الْمِثَالِ السُّدُسُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الشَّرِكَةِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ يَأْخُذُ الْمَبِيعَ، وَهُوَ الثُّلُثُ وَلَا حَقَّ فِيهِ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ تُسْتَحَقُّ عَلَى الْمُشْتَرِي لَا يَسْتَحِقُّهَا عَلَى نَفْسِهِ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلَ، بِأَنَّا لَا نَقُولُ اسْتَحَقَّهَا عَلَى نَفْسِهِ بَلْ دَفَعَ الشَّرِيكَ عَنْ أَخْذِ نَصِيبِهِ، فَلَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي‏:‏ خُذْ الْكُلَّ أَوْ اُتْرُكْهُ وَقَدْ أَسْقَطْتُ حَقِّي لَكِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِجَابَةُ وَلَمْ يَسْقُطْ حَقُّ الْمُشْتَرِي مِنْ الشُّفْعَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ فِي الْأَرْضِ مِثَالٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ حُكْمُ حَاكِمٍ وَلَا إحْضَارُ الثَّمَنِ وَلَا حُضُورُ الْمُشْتَرِي، وَيُشْتَرَطُ لَفْظٌ مِنْ الشَّفِيعِ كَتَمَلَّكْت أَوْ أَخَذْت بِالشُّفْعَةِ، وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ إمَّا تَسْلِيمُ الْعِوَضِ إلَى الْمُشْتَرِي فَإِذَا تَسَلَّمَهُ أَوْ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي التَّسَلُّمَ مَلَكَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ، وَإِمَّا رِضَى الْمُشْتَرِي بِكَوْنِ الْعِوَضِ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِمَّا قَضَاءُ الْقَاضِي لَهُ بِالشُّفْعَةِ إذَا حَضَرَ مَجْلِسَهُ وَأَثْبَتَ حَقَّهُ فَيَمْلِكُ بِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَتَمَلَّكُ شِقْصًا لَمْ يَرَهُ الشَّفِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ فَقَالَ ‏(‏وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ حُكْمُ حَاكِمٍ‏)‏ بِهَا لِثُبُوتِهَا بِالنَّصِّ ‏(‏وَلَا إحْضَارُ الثَّمَنِ‏)‏ كَالْبَيْعِ بِجَامِعِ أَنَّهُ تَمَلُّكٌ بِعِوَضٍ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ‏:‏ وَلَا ذِكْرُ الثَّمَنِ ‏(‏وَلَا حُضُورَ الْمُشْتَرِي‏)‏ وَلَا رِضَاهُ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ ‏(‏وَ‏)‏ لَكِنْ ‏(‏يُشْتَرَطُ لَفْظٌ مِنْ الشَّفِيعِ كَتَمَلَّكْت أَوْ أَخَذْت بِالشُّفْعَةِ‏)‏ وَنَحْوَ ذَلِكَ كَاخْتَرْت الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ، وَيَقُومُ مَقَامَ اللَّفْظِ إشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ، وَلَا يَكْفِي الْمُعَاطَاةُ كَمَا مَرَّ فِي الْبَيْعِ، وَلَا أَنَا مُطَالِبٌ بِالشُّفْعَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

عَدَمُ اشْتِرَاطِ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ مُشْكِلٌ بِمَا سَيَذْكُرُهُ عَقِبَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ أَوْ مَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَحَدُهَا، ثُمَّ قَالَ‏:‏ وَأَقْرَبُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ أَنَّ مَجْمُوعَ الثَّلَاثَةِ لَا تُشْتَرَطُ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَهَذَا الْحَمْلُ لَا يَسْتَقِيمُ مَعَ تَكْرَارِ لَا النَّافِيَةِ، بَلْ الْحَمْلُ الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ بِخُصُوصِهِ لَا يُشْتَرَطُ‏.‏

وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ‏:‏ مَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَجِيبٌ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ أَخَذْت بِالشُّفْعَةِ وَهُوَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِثُبُوتِهِ بِالنَّصِّ‏.‏

وَأَمَّا حُصُولُ الْمِلْكِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا سَيَأْتِي‏.‏ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ وَيَرُدُّ هَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ‏:‏ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ ا هـ‏.‏

وَهَذَا لَا يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ‏:‏ لِأَنَّ الْمُرَادَ، وَلِذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا فِي مَنْهَجِهِ لَا يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِهَا‏.‏ قَالَ فِي شَرْحِهِ‏:‏ وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْلِ كَغَيْرِهِ بِقَوْلِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ ‏(‏وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ ‏(‏إمَّا تَسْلِيمُ الْعِوَضِ إلَى الْمُشْتَرِي‏)‏ أَوْ التَّخْلِيَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ إذَا امْتَنَعَ ‏(‏فَإِذَا تَسَلَّمَهُ‏)‏ مِنْ الشَّفِيعِ أَوْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عِنْدَ الِامْتِنَاعِ ‏(‏أَوْ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي التَّسَلُّمَ‏)‏ بِضَمِّ اللَّامِ حَيْثُ امْتَنَعَ مِنْهُ أَوْ قَبَضَهُ الْقَاضِي عَنْهُ ‏(‏مَلَكَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ وَصَلَ إلَى حَقِّهِ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى وَمُقَصِّرٌ فِيمَا بَعْدَهَا ‏(‏وَإِمَّا رِضَى الْمُشْتَرِي بِكَوْنِ الْعِوَضِ فِي ذِمَّتِهِ‏)‏ أَيْ الشَّفِيعِ حَيْثُ لَا رِبًا سَوَاءٌ أَسْلَمَ الشِّقْصَ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمُعَاوَضَةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ، فَإِنْ كَانَ رِبًا كَأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ صَفَائِحَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَالثَّمَنُ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَكْفِ الرِّضَا بِكَوْنِ الثَّمَنِ فِي الذِّمَّةِ بَلْ يُعْتَبَرُ التَّقَابُضُ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ بَابِ الرِّبَا ‏(‏وَإِمَّا قَضَاءُ الْقَاضِي لَهُ‏)‏ أَيْ الشَّفِيعِ ‏(‏بِالشُّفْعَةِ‏)‏ أَيْ ثُبُوتِ حَقِّهَا كَمَا قَالَهُ فِي الْمَطْلَبِ لَا بِالْمِلْكِ ‏(‏إذَا حَضَرَ مَجْلِسَهُ، وَأَثْبَتَ حَقَّهُ‏)‏ فِي الشُّفْعَةِ وَاخْتَارَ التَّمَلُّكَ ‏(‏فَيَمْلِكُ بِهِ‏)‏ أَيْ الْقَضَاءِ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ التَّمَلُّكِ قَدْ تَأَكَّدَ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ لَا يَمْلِكُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِذِمَّتِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اشْتِرَاطُ الْمُصَنِّفِ أَحَدَ هَذِهِ الْأُمُورِ يُفْهِمُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّمَلُّكُ عِنْدَ الشُّهُودِ؛ وَهُوَ كَذَلِكَ كَمَا هُوَ أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْوَجِيزِ وَرَجَّحَهُ ابْنُ الْمُقْرِي وَلَوْ عِنْدَ فَقْدِ الْقَاضِي كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَإِنْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ لَا يَبْعُدُ التَّفْصِيلُ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ هَرَبِ الْجِمَالِ حَيْثُ يَقُومُ الْإِشْهَادُ مَقَامَ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ هُنَاكَ أَشَدُّ مِنْهُ هُنَا، وَيُشْتَرَطُ فِي التَّمَلُّكِ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مَعْلُومًا لِلشَّفِيعِ، وَإِذَا مَلَكَ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِغَيْرِ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَهُوَ تَسْلِيمُ الْعِوَضِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَسَلَّمَ الشِّقْصَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الثَّمَنَ وَإِنْ تَسَلَّمَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَدَاءِ الثَّمَنِ، وَلَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ أَنْ يُؤَخِّرَ حَقَّهُ بِتَأْخِيرِ الْبَائِعِ حَقَّهُ، فَإِنْ غَابَ مَالُهُ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يُحْضِرْ الثَّمَنَ فَسَخَ الْحَاكِمُ التَّمَلُّكَ، وَقِيلَ‏:‏ يَبْطُلُ بِلَا فَسْخٍ، وَلَيْسَ لِلشَّفِيعِ خِيَارُ مَجْلِسٍ لِمَا مَرَّ فِي بَابِهِ ‏(‏وَلَا يَتَمَلَّكُ شِقْصًا لَمْ يَرَهُ الشَّفِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ بِنَاءً عَلَى مَنْعِ بَيْعِ الْغَائِبِ، وَقِيلَ‏:‏ يَتَمَلَّكُهُ قَبْلَ الرُّؤْيَةِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْغَائِبِ، وَلَهُ الْخِيَارُ عِنْدَ الرُّؤْيَةِ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي مَنْعُهُ مِنْ الرُّؤْيَةِ‏.‏ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ قَهْرِيٌّ لَا يُنَاسِبُهُ إثْبَاتُ الْخِيَارِ فِيهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَشْعَرَ اقْتِصَارُهُ عَلَى رُؤْيَةِ الشَّفِيعِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَرَاهُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ‏.‏ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ‏:‏ وَسَبَبُهُ أَنَّهُ قَهْرِيٌّ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الشِّرَاءِ بِالْوَكَالَةِ وَفِي الْأَخْذِ مِنْ الْوَارِثِ‏.‏

فَرْعٌ‏:‏

لَا يَتَصَرَّفُ الشَّفِيعُ فِي الشِّقْصِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِنْ سَلَّمَ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي وَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي، وَأَفْلَسَ بِالثَّمَنِ رَجَعَ فِيهِ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْبَيْعِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَلِلْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهِ بَعْدَ الطَّلَبِ وَقَبْلَ التَّمَلُّكِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِخِلَافِهِ بَعْدَ التَّمَلُّكِ كَمَا سَيَأْتِي‏.‏